مساحات الرماد في قلبي....
أحيانًا تضيق الدنيا فجأة كأنها لا تسعنا، ونشعر أن كل
ما حولنا ينهار بلا مقدمات. نرتب خطواتنا بحذر، ثم
نجد الأرض تهتز تحتنا. نحمل أحلامًا مثقلة بالهموم،
نخشى عليها من السقوط، ونخشى على أنفسنا من الغرق. تتشابك الأفكار في رؤوسنا حدَّ الاختناق، ونظل
نبحث عن مخرج بين كل هذا الضياع، لعل الكتابة
تكون بابًا للهروب، أو نافذة للنجاة، لكن لا نافذة ولا
باب، فالبيت بأكمله تحطم فوق رأسي. لا أستطيع
الصمود ولا إزالة هذا الركام. العالم بشع، لا يحمل أي
مقومات للاستمرارية والمقاومة. أصبح تبلد المشاعر
البشرية هو الأكثر شيوعًا هذه الأيام، فالبشر استحالوا
وحوشًا وضباعًا ينتشون ويسرقون ويروعون، ليس
هذا فقط، بل آكلي حقوق ومجهود. يئست من هذه
الحياة، حتمًا سيعوضني الله عن هذه الأيام البشعة
آكلة العمر.
فكل ما أحياه الآن لا يشبهني، لا يشبه إنسانيتي التي
كنت أظنها ملاذًا آمنًا. صارت جدران قلبي هشة،
تتصدع مع أول خيبة، وكأنني لم أتعلم كيف أقاوم
بعد. تتآكل روحي ببطء، ويأكلني التعب من الداخل،
حتى أنني صرت أخشى من نفسي، أخشى من ذلك
الوحش الكامن في صدري الذي يوشك أن يفترس
بقايا أماني. لا أريد أن أكون قاسية، ولا أن أنزلق في
وحل القسوة مثلهم، لكن كم يحتمل الإنسان قبل أن
يتحجر؟ كم يحتاج من الصبر حتى لا يتحول إلى
صورة أخرى من هؤلاء الذين ينهشون الحياة؟
رغم كل شيء، ما زلت أتشبث بخيط رفيع من الرجاء،
أخشى أن ينقطع في أي لحظة. أتشبث به لأذكر نفسي
أنني خُلقت لأعيش بكرامة، لا لأكسر ولا لأحني ظهري
أمام هذا الخراب. أقول لنفسي إن الله يرى، وإن الله
عادل، وإنه وحده الكفيل بأن يجبر ما انكسر، ويعيد لي
سلامي ذات يوم، حين أكون قد استنفدت كل دمعة،
وكل زفرة، وكل ضعف. ومع كل هذا السواد، يبقى
هناك صوت واحد فقط قادر أن يحييني بكلمة، يمدني
بأمل لا يشبه أي أمل، ويزرع في قلبي طمأنينة لا
أجدها في أي مكان. هو وحده الذي يجعلني أتشبث
بالحياة، يربط على روحي حين تتفتت، ويذكرني أنني
ما زلت قادرة على النهوض. وجوده يكفي كي أقاوم،
كي أواصل طريقي مهما كانت الأيام قاسية، وكأن
حضوره هو الحياة ذاتها، وهو السبب الذي يجعلني لا
أنطفئ تمامًا........